في وقت استأثرت فيه العديد من القضايا بعناوين الأخبار في أميركا اللاتينية خلال عام 2014، يبقى الخبر الأهم الذي سيكون له أثر بالغ على مستقبل المنطقة هو الانهيار الدراماتيكي في أسعار النفط العالمية. فمع أن أخباراً أخرى اكتست أهمية لا يمكن تجاهلها مثل التصريح الأخير لأوباما بأن بلاده ستطبّع علاقتها مع كوبا، وإعادة انتخاب ديلما روسيف رئيسة للبرازيل، إلا أنه لا شيء يضاهي في أهميته تراجع أسعار النفط لما لها من تأثير كبير في إعادة صياغة الخريطة السياسية بأميركا اللاتينية، حيث هوت الأسعار العالمية لهذه السلعة الاستراتيجية لما دون 50 في المئة من قيمتها لتصل منذ شهر يونيو الماضي إلى نحو 55 دولاراً للبرميل! وأكثر من ذلك أن هذا التراجع لأسعار النفط قد يرافقنا لفترة غير يسيرة من الزمن، حسب دراسة صادرة عن صندوق النقد الدولي خلال الأسبوع الجاري توقع فيها تواصل الانخفاض باعتباره توجهاً عالمياً سيبقى معنا لسنوات قادمة. وقد أشارت الدراسة التي أعدها الخبيران الاقتصاديان في صندوق النقد الدولي، رباح رزقي وأوليفر بلانشار، أن أسواق عقود النفط الآجلة ستعاود ارتفاعها قليلًا في عام 2019 لتصل إلى 73 دولاراً للبرميل. ولكن السعر سيظل منخفضاً مقارنة بمستوياته في السنوات الأخيرة عندما سجلت الأسعار رقماً قياسياً في 2008 بوصولها إلى 145 دولاراً للبرميل. ويمكن إرجاع الأسباب الرئيسية وراء هذا الانخفاض اللافت في أسعار الطاقة إلى ثورة النفط الصخري في الولايات المتحدة التي أدت إلى ارتفاع ملحوظ في الإنتاج بفضل ظهور تكنولوجيا متطورة في مجال التنقيب، بالإضافة إلى انحسار الطلب العالمي على النفط الناتج بدوره عن تباطؤ الاقتصاد في العديد من دول العالم، والنتيجة أن الدول المستوردة للنفط ستكون هي الرابح الأكبر، فيما ستكون نظيرتها المصدرة مثل روسيا وفنزويلا والإكوادور هي أكبر الخاسرين. ولكن إجمالًا سيكون الاقتصاد العالمي في وضع أفضل مع ارتفاع الناتج المحلي الإجمالي للاقتصاد العالمي بحوالي 0,3 إلى 0,7 في المئة، حسب دراسة صندوق النقد الدولي. أما بالنسبة لأميركا اللاتينية فستكون فنزويلا هي البلد الأكثر تضرراً من تراجع أسعار النفط لاعتمادها عليه في 95 في المئة من صادراتها. فمنذ الثورة الاشتراكية التي أطلقها الرئيس الراحل هوجو شافيز في 1999 قضت فنزويلا تقريباً على كامل قطاعها الخاص لتصبح أكثر اعتماداً على النفط من أي وقت مضى، بل إن فنزويلا وعلى رغم هذا الارتهان للقطاع النفطي لم تستثمر في مصافٍ جديدة، ولا في توسيع طاقتها الإنتاجية. وبوصول معدل التضخم في فنزويلا إلى 70 في المئة، وتقلص الاقتصاد بحوالي 3 في المئة خلال السنة الجارية يتفق أغلب الخبراء الاقتصاديين على أنه ما لم تغير البلاد من مسارها السياسي وتتبنى توجهات داعمة للاستثمار، فإنها ستكون محظوظة إذا لم تواجه معدلات تضخم أكبر في السنوات المقبلة بكيفية قد تخرج عن السيطرة. ويبدو أن المشهد الجديد في قطاع الطاقة المتشكل قد نقل فنزويلا فجأة من لاعب إقليمي مهم في أميركا اللاتينية حيث دعمت العشرات من الدول في المنطقة وبلدان الكاريبي مقابل ولائها السياسي، إلى لاعب سياسي ضعيف وفاقد للنفوذ. ومعروف أن قوة فنزويلا في أميركا اللاتينية كانت مرتبطة ارتباطاً طردياً بأسعار النفط، فعندما سجلت هذه الأخيرة أرقاماً قياسية خلال السنوات الماضية كان شافيز يروج لنفسه كزعيم للعالم الثالث، لتجد البلاد نفسها اليوم عاجزة حتى عن الحفاظ على أقرب حلفائها، كوبا، ومنعها من الانفتاح على الولايات المتحدة. وفيما ستعاني دول أخرى من انحدار أسعار النفط مثل البرازيل والمكسيك والأرجنتين، إلا أن أضرارها لا تقارن أبداً بما سيلحق بفنزويلا والإكوادور، فبتراجع أسعار الطاقة ستواجه البرازيل والأرجنتين صعوبات في اجتذاب الاستثمارات لاستغلال احتياطاتهما الكبيرة من النفط. ولكن هذه الخسائر ستعوضها عوامل أخرى مثل مشتريات أكبر من الصين والولايات المتحدة للنفط باعتبارهما أكبر مستوردين للنفط سيستفيدان من انخفاض الأسعار. ---------- كاتب متخصص في شؤون أميركا اللاتينية ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»